فصل: فصل في كون آية الكرسي سيدة آي القرآن وبيان الاسم الأعظم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل في فضل آية الكرسي:

قال القرطبي:
قوله تعالى: {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم} هذه آية الكرسيّ سيدة آي القرآن وأعظم آية، كما تقدّم بيانه في الفاتحة، ونزلت ليلًا ودعا النبيّ صلى الله عليه وسلم زيدًا فكتبها.
روى عن محمد بن الحنفية أنه قال: لما نزلت آية الكرسي خرّ كل صنم في الدنيا، وكذلك خرّ كل ملِك في الدنيا وسقطت التيجان عن رؤوسهم، وهربت الشياطين يضرب بعضهم على بعض إلى أن أتوا إبليس فأخبروه بذلك فأمرهم أن يبحثوا عن ذلك، فجاءوا إلى المدينة فبلغهم أن آية الكرسي قد نزلت.
وروى الأئمة عن أُبيّ بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم»؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «يا أبا المنذر أتدري أيّ آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال قلت: اللَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» فضرب في صدري وقال: «لِيهنِك العلم يا أبا المنذر» زاد الترمذيّ الحكيم أبو عبد الله: «فوالذي نفسي بيده إن لهذه الآية للسانا وشفتين تقدّس المَلِك عند ساق العرش» قال أبو عبد الله: فهذه آية أنزلها الله جل ذكره، وجعل ثوابها لقارئها عاجلًا وآجلًا، فأما في العاجل فهي حارسة لمن قرأها من الآفات، ورُوي لنا عن نَوْف البِكاليّ أنه قال: آية الكرسي تدعى في التوراة وَليّة الله.
يريد يدعى قارئها في ملكوت السموات والأرض عزيزًا، قال: فكان عبد الرحمن بن عوف إذا دخل بيته قرأ آية الكرسي في زوايا بيته الأربع، معناه كأنه يلتمس بذلك أن تكون له حارسًا من جوانبه الأربع، وأن تنفي عنه الشيطان من زوايا بيته.
ورُوي عن عمر أنه صارع جنِّيًا فصرعه عمر رضي الله عنه، فقال له الجني: خلِّ عني حتى أُعلمك ما تمتنعون به منا، فخلى عنه وسأله فقال: إنكم تمتنعون منا بآية الكرسي.
قلت: هذا صحيح، وفي الخبر: من قرأ آية الكرسي دُبُر كل صلاة كان الذي يتولى قبض روحه ذو الجلال والإكرام، وكان كمن قاتل مع أنبياء الله حتى يستشهد.
وعن عليّ رضي الله عنه قال: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول وهو على أعواد المنبر: «من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ولا يواظب عليها إلا صدّيق أو عابد، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله» وفي البخاريّ عن أبي هريرة قال: وكلّني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، وذكر قصة وفيها: فقلت يا رسول الله، زعم أنه يعلِّمني كلمات ينفعني الله بها فخلّيْت سبيله، قال: ما هي؟ قلت قال لي: إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أوّلها حتى تختم {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم}. وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص شيء على الخير. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أمَا إنه قد صَدَقك وهو كَذُوب تعلم مَن تخاطب منذُ ثلاثِ ليالٍ يا أبا هُرَيرة»؟ قال: لا؛ قال: «ذاك شيطان».
وفي مسند الدّارِمِيّ أبي محمد قال الشعبيّ قال عبد الله بن مسعود: لقِي رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رجلًا من الجنّ فصارعه فصرعه الإنسيّ، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلًا شَخِيتًا كأن ذُرَيْعتيْك ذُرَيْعتا كلب فكذلك أنتم معشر الجن، أم أنت من بينهم كذلك؟ قال: لا والله إني منهم لضَليع ولكن عاوِدْني الثانية فإن صرعتني علمتك شيئًا ينفعك، قال نعم، فصرعه، قال: تقرأ آية الكرسيّ: {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم}؟ قال: نعم؛ قال: فإنك لا تقرأها في بيت إلا خرج منه الشيطان له خَبَج كَخَبج الحمار ثم لا يدخله حتى يصبح.
أخرجه أبو نعيم عن أبي عاصم الثقفيّ عن الشعبيّ.
وذكره أبو عبيدة في غريب حديث عمر حدّثناه أبو معاوية عن أبي عاصم الثقفيّ عن الشعبيّ عن عبد الله قال: فقيل لعبد الله: أهو عمر؟ فقال: ما عسى أن يكون إلا عمر! قال أبو محمد الدِراميّ: الضّئيل: الدقيق، والشّخِيت: المهزول، والضّلِيع: جيد الأضلاع، والخَبَج: الريح.
وقال أبو عبيدة: الخَبج: الضراط، وهو الحبَج أيضًا بالحاء.
وفي الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حم المؤمن إلى إليه المصير وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح» قال: حديث غريب.
وقال أبو عبد الله الترمذيّ الحكيم: وروى أن المؤمنين ندبوا إلى المحافظة على قراءتها دبر كل صلاة.
عن أنس رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أوحى الله إلى موسى عليه السلام مَن داوم على قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة أعطيته فوق ما أعطي الشاكرين وأجر النبيّين وأعمال الصدّيقين وبسطت عليه يميني بالرحمة ولم يمنعه أن أدخله الجنة إلا أن يأتيه ملك الموت» قال موسى عليه السلام: يا رب من سمع بهذا لا يداوم عليه؟ قال: «إني لا أُعطيه من عبادي إلا لنبيّ أو صدّيق أو رجل أحبه أو رجل أُريد قتله في سبيلي». وعن أُبيّ بن كعب قال قال الله تعالى: «يا موسى من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة أعطيته ثواب الأنبياء».
قال أبو عبد الله: معناه عندي أعطيته ثواب عمل الأنبياء، فأما ثواب النبوّة فليس لأحد إلا للأنبياء. وهذه الآية تضمنت التوحيد والصفات العُلا، وهي خمسون كلمة، وفي كل كلمة خمسون بركة، وهي تعدل ثلث القرآن، ورَدَ بذلك الحديث، ذكره ابن عطِية. اهـ.

.فصل في كون آية الكرسي سيدة آي القرآن وبيان الاسم الأعظم:

قال أبو حامد الغزالي:
هل لك أن تتفكر في آية الكرسي أنها لم تسمى سيدة الآيات فإن كنت تعجز عن استنباطه بتفكرك فارجع إلى الأقسام التي ذكرناها والمراتب التي رتبناها وقد ذكرنا لك أن معرفة الله تعالى ومعرفة ذاته وصفاته هي المقصد الأقصى من علوم القرآن وأن سائر الأقسام مرادة له وهو مراد لنفسه لا لغيره فهو المتبوع وما عداه التابع وهي سيدة الاسم المقدم الذي يتوجه إليه وجوه الأتباع وقلوبهم فيحذون حذوه وينحون نحوه ومقصده وآية الكرسي تشتمل على ذكر الذات والصفات والأفعال فقط ليس فيها غيرها فقوله: {الله} إشارة إلى الذات.
وقوله: {لا إله إلا هو} إشارة إلى توحيد الذات وقوله: {الحي القيوم} إشارة إلى صفة الذات وجلاله فإن معنى القيوم هو الذي يقوم بنفسه ويقوم به غيره فلا يتعلق قوامه بشيء ويتعلق به قوام كل شيء وذلك غاية الجلال والعظمة.
وقوله: {لا تأخذه سنة ولا نوم} تنزيه وتقديس له عما يستحيل عليه من أوصاف الحوادث والتقديس عما يستحيل أحد أقسام المعرفة بل هو أوضح أقسامها.
وقوله: {له ما في السموات وما في الأرض} إشارة إلى كلها وأن جميعها منه مصدرها وإليه مرجعها.
وقوله: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} إشارة إلى انفراده بالملك والحكم والأمر وأن من يملك الشفاعة فإنما يملك بتشريفه إياه والإذن فيه، وهذا نفي للشركة عنه في الملك والأمر.
وقوله: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} إشارة إلى صفة العلم وتفضيل بعض المعلومات والانفراد بالعلم حتى لا علم لغيره من ذاته وإن كان لغيره علم فهو من عطائه وهبته وعلى قدر إرادته ومشيئته.
وقوله: {وسع كرسيه السموات والأرض} إشارة إلى عظمة ملكه وكمال قدرته وفيه سر لا يحتمل الحال كشفه فإن معرفة الكرسي ومعرفة صفاته واتساع السموات والأرض معرفة شريفة غامضة ويرتبط بها علوم كثيرة.
وقوله: {ولا يؤوده حفظهما} إشارة إلى صفات القدرة وكمالها وتنزيهها عن الضعف والنقصان.
وقوله: {وهو العلي العظيم} إشارة إلى أصلين عظيمين في الصفات وشرح هذين الوصفين يطول وقد شرحنا منهما ما يحتمل الشرح في كتاب المقصد الأسنى في أسماء الله الحسنى فاطلبه منه.
والآن إذا تأملت جملة هذه المعاني ثم تلوت جميع آيات القرآن لم تجد جملة هذه المعاني من التوحيد والتقديس وشرح الصفات العلى مجموعة في آية واحدة منها فلذلك قال النبي سيدة آي القرآن فإن {شهد الله} ليس فيه إلا التوحيد {وقل هو الله أحد} ليس فيه إلا التوحيد والتقديس {وقل اللهم مالك الملك} ليس فيه إلا الأفعال وكمال القدرة.
والفاتحة فيها رموز إلى هذه الصفات من غير شرح وهي مشروحة في آية الكرسي والذي يقرب منها في جميع المعاني آخر الحشر وأول الحديد إذ اشتملا على أسماء وصفات كثيرة ولكنها آيات لا آية واحدة وهذه آية الكرسي آية واحدة إذا قابلتها بإحدى تلك الآيات وجدتها أجمع المقاصد فلذلك تستحق السيادة على الآي وقال هي سيدة الآيات كيف لا وفيها {الحي القيوم} وهو الاسم الأعظم وتحته سر ويشهد له ورود الخبر بأن الاسم الأعظم في آية الكرسي وأول آل عمران وقوله: {وعنت الوجوه للحي القيوم}. اهـ.
لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرائي في آية الكرسي:
آية الكرسي هي سيّدة آي القرآن الكريم:
بدأت الآية بالتوحيد ونفي الشرك وهو المطلب الأول للعقيدة عن طريق الإخبار عن الله.
بدأ الإخبار عن الذات الإلهية ونلاحظ أن كل جملة في هذه الآية تصح أن تكون خبرًا للمبتدأ {الله} لأن كل جملة فيها ضمير يعود إلى الله سبحانه وتعالى: {الله لا تأخذه سنة ولا نوم}، {الله له ما في السموات وما في الأرض}، {الله من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، {الله يعلم مابين أيديهم وما خلفهم}، {الله لا يحيطون بعلمه إلا بما شاء}، {الله وسع كرسيّه السموات والأرض}، {الله لا يؤده حفظهما وهو العلي العظيم}.
اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ:
الحيّ معرّفة والقيّوم معرّفة. والحيّ هو الكامل الاتصاف بالحياة، ولم لم يقل حيّ؟
لأنها تفيد أنه من جملة الأحياء. فالتعريف بال هي دلالة على الكمال والقصر لأن ما سواه يصيبه الموت.
والتعريف قد يأتي بالكمال والقصر، فالله له الكمال في الحياة وقصرًا كل من عداه يجوز عليه الموت وكل ما عداه يجوز عليه الموت وهو الذي يفيض على الخلق بالحياة.
فالله هو الحيّ لا حيّ سواه على الحقيقة لأن من سواه يجوز عليه الموت.
القيّوم: من صيغ المبالغة على وزن فيعال وفيعول من صيغ المبالغة وهي ليست من الأوزان المشهورة هي صيغة المبالغة من القيام ومن معانيها القائم في تدبير أمر خلقه في إنشائهم وتدبيرهم، ومن معانيها القائم على كل شيء، ومن معانيها الذي لا ينعس ولا ينام لأنه إذا نعس أو نام لا يكون قيّومًا، ومن معانيها القائم بذاته وهو القيّوم جاء بصيغة المتعريف لأنه لا قيّوم سواه على الأرض حصرًا.
{لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}.
سنة هي النعاس الذي يتقدم النوم ولهذا جاءت في ترتيب الآية قبل النوم وهذا ما يعرف بتقديم السبق، فهو سبحانه لا يأخذه نعاس أو ما يتقدم النوم من الفتور أو النوم- المتعارف عليه- يأتي النعاس ثم ينام الإنسان.
ولم يقل سبحانه لا {تأخذه سنة ونوم} أو سنة أو نوم ففي قوله سنة ولا نوم ينفيهما سواءً اجتمعا أو افترقا لكن لو قال سبحانه: سنة ونوم فإنه ينفي الجمع ولا ينفي الإفراد فقد تأخذه سنة دون النوم أو يأخذه النوم دون السنة.
{لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}.
دلالة ما: ما تفيد ذوات غير العاقل وصفات العقلاء، إذن لمّا قال له ما جمع العقلاء وغيرهم ولو قال من لخصّ العقلاء. ما أشمل وعلى سبيل الإحاطة. قال: {ما في السموات وما في الأرض} أولًا بقصد الإحاطة والشمول، وثانيًا قدّم الجار والمجرور على المبتدأ {له ما في السموات} إفادة القصر أن ذلك له حصرًا لا شريك له في الملك ما في السموات والأرض ملكه حصراُ قصرًا فنفى الشرك. وجاء ترتيب {له ما في السموات وما في الأرض} بعد {الحيّ القيّوم} له دلالة خاصة: يدلّ على أنه قيوم على ملكه الذي لا يشاركه فيه أحد غيره.
وهناك فرق بين من يقوم على ملكه ومن يقوم على ملك غيره فهذا الأخير قد يغفل عن ملك غيره.
أما الذي يقوم على ملكه لا يقغل ولا ينام ولا تأخذه سنة ولا نوم سبحانه. فله كمال القيومية.
وفي قوله: {له ما في السموات وما في الأرض} تفيد التخصيص فهو لا يترك شيئًا في السموات والأرض إلا هو قائم عليه سبحانه.
{مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}.
دلالة واضحة على تبيان ملكوت الله وكبريائه وأن أحدًا لا يملك أن يتكلم إلا بإذنه ولا يتقدم إلا بإذنه مصداقًا لقوله تعالى: {لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا} هذا الجزء من الآية والجزء الذي قبلها {له ما في السموات وما في الأرض} يدل على ملكه وحكمه في الدنيا والآخرة لأنه لمّا قال: {له ما في السموات وما في الأرض} يشمل ما في الدنيا وفي قوله: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} هذا في الآخرة فدلّ هذا على ملكوته في الدنيا والآخرة وأخرجه مخرج الاستفهام الإنكاري لأنه أقوى من النفي.
فدلّ هذا على أنه حيّ قيّوم كيف؟
لأن الذي يَستشفع عنده حيّ والذي لا يستطيع أحد أن يتقدم إلا بإذنه يجعله قائم بأمر خلقه وكلها تؤكد معنى أنه الحيّ القيّوم.
{من ذا}.
فيها احتمالان كما يذكر أهل النحو: فقد تكون كلمة واحدة بمعنى من استفهامية لكن من ذا أقوى من من لزيادة مبناها يقال في النحو: زيادة المبنى زيادة في المعنى فقد نقول من حضر، ومن ذا حضر؟. اهـ.